بقلم : محمد غالى
أوشك العام الثانى بعد ميلاد ثورة يناير على الانتهاء ولازالت الدولة المصرية تعانى من مراحل عديدة من التخبط السياسى ، مرت الفترة الانتقالية وتغيرت رأس النظام لكن التحول الديمقراطى لم يكن كما ينبغى أن يكون ، المشكلة تكمن فى إغفال كتابة الدستور منذ البداية وهذا هو الخطأ الاول فى مسار التحول الديمقراطى يليه الخطأ الثانى بعدم الوضع فى الاعتبار إنشاء مجلس رئاسى مدنى بدلا من الحكم العسكرى الذى خول له السلطه نظام فاسد ومستبد من الاساس .
كيف لشعب عانى لطيلة ثلاث عقود من التهميش والذل والقمع أن يكون له نصيب كافى من النضج الفكرى والوعى السياسى ليحتكم الى تجربة ديمقراطية سليمة فى ظل مناخ سياسى أفسده الحزب الحاكم فى النظام السابق الذى من الحماقة أن نصفه بالوطنية ، المشهد يظهر لنا جلياً حزب واحد يستمد قوته من السلطة الحاكمة وأحزاب أخرى لا يصلح ان نقول عنها أنها منافسة بل مفككة وضعيفة وحركات سياسية عانت لسنوات طويلة من القمع الفكرى والاعتقال وعمليات التصفية السياسية الممنهجة .
لقد وضع النظام السابق برنامجاً استهدف به إفساد المناخ السياسى لدرجة تصعب إقامة عملية التحول الديمقراطى السليم ، إمتدت اثار ذلك التوجه غير السوى الى تهميش أدوار الاصلاحيين والحركات المنادية بالديمقراطية وإقامة نظام سياسى رشيد والممارسات القمعية ضد التجمعات الشعبية أشهرها إعتصام عمال الغزل والنسيج بالمحلة فى السادس من ابريل عام 2008 للمطالبة برفع الاجور معترضين أيضا على غلاء الاسعار وتحسين الخدمات العامة وأهمها الصحة والتعليم .
نحن الان تحت حكم نظام سياسى مختل لم يتم بنائه على أساس توافقى بكل ما يحويه من مؤسسات ، نظام أهوج لم ينتهج حتى الان برنامجا سياسياً واضحاً يرجع اليه الشعب بإعتباره صاحب الشرعية ومصدر السلطات لكى يحاسب ذلك النظام ، اين المبدأ السامى للديمقراطية فى الفصل بين السلطات ورأس النظام يحكم قبضته على السلطة التشريعية والتنفيذية ويسعى لإقصاء السلطة القضائية ، هذا النظام الأهوج يقودنا من بقايا الدولة الى اللادولة .
اليوم ونتيجة الجهل السياسى لصاحب الشرعية أبرم عقده مع السلطة بدستور سيلقى بنا فى الهاوية ، فى موجات أخرى من إنعدام الاستقرار السياسى الذى سيفرض علينا تحمل أعباء اقتصادية جمّه ، أين هى الديمقراطية التى يتحدثون عنها وسط جهل الكثيرين بأوضاع الدولة والسياسة العامة ، أى دستور هذا الذى ينفرد بوضعة فصيل سياسى واحد لا يمثل أغلبية الا بالحشد الشعبى المؤقت على أرض الجهل والفقر والذى يزول مع نفاذ ما يوزع من مال أو سلع تموينية جافة أو وعود زائفة بالاصلاح أو بمشروع للنهضة ليس له أى جوانب واقعية من الاساس .
الازمة تكمن فى من لا صوت لهم الا عندما تفرغ بطونهم وتأن من الجوع والفقر المدقع ، حقا إنه القتل المعنوى الذى كان يمارسه النظام السابق الظالم لشريحة هى الكبرى ممن يعانون من الفقر جعلهم لا يفكرون الا فى هم إيجاد المال من أجل العيش ولو كان على حساب الكرامة وعزة النفس ، الشعب الذى بيده الشرعية الان هو من يدفع ثمن سياسات اهمال التعليم وتكميم الافواه المطالية بالحقوق والحريات .
الاعلام الموجه ساهم أيضا وبنصيب كبير فى جهل العامة بسياسات النظام وإلهاء المواطنين عن تلك المؤامرات السياسية القذرة ، الأن ومنذ قرابة عقد من الزمن لا تمر على بيت مصرى ولو كان من ساكنى العشوائيات إلا وتجد أطباق الاستقبال الفضائى وهوائيات التليفزيون المحلى تعلو أسطح المنازل ، الكل يقع تحت طائلة الاعلام الموجه ، كان لمحطات التلفزة المرئية أثرها البالغ على فكر العامة وتوجيههم لما يخدم السلطة الحاكمة بمواد مرئية ترسخ مفهوم الرضا بالوضع وضياع الحقوق والاستسلام للقمع وقتل الطموح الا من رحم ربى ، لا يزال ماسبيرو تحت قبضة السلطة الحاكمة ويعمل لصالحها -من العسكر للإخوان يا قلبى لا تحزن -أين نحن من استقلال الاعلام ؟؟ .
فى نهاية المطاف إذا كان ما نمارسه من إستفتاء أو إنتخاب هو الديمقراطية فإننا قد جمعنا المشبوه والمنقوص منها معا ، فهى منقوصة بالجهل السياسى لدى الكثير الذى يجعلهم ينصاعوا لديماجوجية الفصيل السياسى سالف الذكر الذى يجعله يشرى صوت حريته بثمن بخس ، لا مجال للحديث عن ديمقراطية الإحتكام الى صناديق الاقتراع وسط مناخ سياسى يسوده الجهل وفى وجود فصيل يمارس السياسة بطريقة لا تليق بمؤسسيه -أفيقو يرحمكم الله -.