بقلم : محمد غالى
تلك الفتاة التى فقدت عزريتها منذ زمن بعيد ، انها ضحية جرائم الاغتصاب السياسى المتتالية ، سأتحدث فى مقالى هذا عن ما حدث لها فى ذلك العام المنقضى ، عام تناوب فيه العسكر والاخوان اغتصاب تلك الفتاة البريئة ، انها الدولة المصرية التى عانت فى هذا العام المنصرم من شتى طعنات سياسية أخذت تنتابها واحده تلو الاخرى كأنها فى خضم مجزرة طاحنة تداولتها وكالات الانباء ليتسلى بها البعض من الجمهور ، والبعض الاخر لايحرمها من القليل من الشفقة ورثاء الحال ، يبقى الحال كما هو القلة المتمردة على الوضع السياسى مرابطة فى الميدان لمراقبة المسار الثورى ، مترقبة ما سيحدث من السلطة الحاكمة بنظرات تبعث بالكثير من الشك واللاشىء من اليقين بمن بيده زمام السلطة من العسكريين .
بدأ العام المنصرم بتلك المسرحية الهزلية التى تستخف بعقول الشعب المطحون اقتصاديا ، نظلم ميزان العدل اذا وُصفت أنها محاكمة عادلة لنظام فاسد من القدم الى الرأس ، تستمر محاكمته طيلة شهور عده بحجة عدم وضوح أدلة إدانة لهذا النظام ، جرائم قتل ومجازر تم ارتكابها منذ اليوم الاول من الثورة تداولتها الفضائيات وصفحات الانترنت ، والادلة فى أعين القضاء الشامخ غير كافية ومبهمة ، وتؤجل الجلسات مراراً وقلوب اسر الشهداء تغلى دمائها مما يرون من ضياعٍ لحق من فقدوه من أبنائهم الذين كسروا حاجز الخوف من ذلك النظام القمعى المستبد ، ان هؤلاء إستشهدوا من أجل أن نتنفس الحرية ، ونحن نكافئهم بالانحراف عن المسار الثورى .
ثم يأتى ذلك المنصب الشاغر وفى حقبة اخرى من الاغتصاب السياسى ، ويخلق حالة من الحزبية فى الشارع المصرى من سيكون رئيسا لمصر ؟ ، قد أتى موعد تسليم السلطة بالمعنى الذى كان يقصده العسكر الى رئيس مدنى منتخب ، تم فتح باب الترشيح لمنصب الرئيس وكل حزبٍ بما لديهم فرحون ، ما جمع تلك الاحزاب للدفاع عن مطالب الثورة وشهدائها فرّقه المجلس العسكرى بالصراع على كرسى الرئاسة ، تقدم من تقدم من المرشحين كل على إنتماءاته ووقع الاختيار بين اثنين فى مرحلة الاعادة احدهما من فلول النظام السابق والاخر من جماعة الاخوان المحظورة سابقا ، ومن حسن حظ العسكر اذا افترضنا حسن النية فى نزاهة العملية الانتخابية ان يقع اختيارهم بين مرشح الفلول ومرشح من أبرموا معه صفقة الدعم للاعلان الدستورى فى مارس ما بعد التنحى حيث خرج الاخوان ليرابطوا امام اللجان للدعوة للموافقة على الاعلان الدستورى بنعم مستغلين الشعب المتدين بطبعه بحجة الحفاظ على المادة الثانية من الدستور ، الخلاصة أن المجلس العسكرى لدية من الحظ ما يكفى عندما يختار الشعب بين احد الاثنين فيضمن خروجا امنا من السلطة بعد اكثر من عام ونصف العام من الجرائم السياسية والانتهاكات البينة للثورة والثوار .
يتولى الدكتور محمد مرسى منصب الرئيس المنتخب ، ويحد المجلس العسكرى من التدخل فى الحياة السياسية تدريجيا الى أن يتلاشى دور العسكر السياسى ، ومن هنا يظهر لنا جلياً صفقة العسكر والاخوان عندما أحال مرسى المشير ورئيس اركان الجيش الى التقاعد ومنحهم أوسمة وتعيين المشير مستشارا للرئاسة وبذلك تم تأمين خروج العسكر من الحياة السياسية ولم تتم محاكمة احد منهم حتى الأن .
وفى حقبة أخرى من الاغتصاب السياسى لمصر تلك الوعود التى انهالت علينا من الرئيس قبل فوزه ولم يحقق الكثير منها وبرنامجه للنهضة الذى لا وجود له من الاساس والذى جعل من شخصة أضحوكة الفضائيات ، رئيس مصر الثورة ليس لديه برنامج سياسى ليضع تصورا للسياسة العامة التى ستسير عليها مؤسسات الدولة ، وكأن الشعب قد إنتخبه بالنية الصافية كما يقول البعض وتتوالى الاعتصامات والاضرابات تطالب الرئيس بأن يحقق وعوده والرئيس كما يقول المثل الشعبى "أذنُ من الطين والاخرى من العجين" .
فى حقبة هى الاخيرة من الاغتصاب السياسى لمصر يأتى الصراع على الدستور ومشكلة التوافق على مواده مستسلمة لصراع حول المواد الخاصة بالدين ، والجمعية التأسيسية تعانى من انسحاب بعض أعضائها إعتراضا على بعض المواد الخاصة بالحريات والمرأة ، ثم يأتى الرئيس بإعلان دستورى يقلب البلاد رأسا على عقب ويشعل صراعات بين التيار الاسلامى المؤيد له والتيارات الاخرى الرافضة تصل الى مشاحنات وصدامات بين ابناء الوطن دون النظر لأى إنتماءات سياسية ، والرئيس لايعير تلك الحشود الرافضة لدستور جماعته مثقال ذرة من الاهتمام ، ويطرح الرئيس دستوره للإستفتاء الشعبى ليستغل قدرة جماعته على الحشد لتأييد الدستور على انه هو الطريق الى الاستقرار السياسى او بطرق أخرى مشابهة للتى إستخدموها فى تجارب الإحتكام للصندوق الانتخابى سواء فى انتخابات الرئاسة او مجلس الشعب ، لينجح الإستفتاء بتزييف الإرادة الشعبية لتعيش مصر مراحل أخرى من الاغتصاب السياسى _لكى الله يا مصر_ .