لابد من وسيلة تحكم تلك العلاقة بين السلطة الحاكمة والشعب ليضمن كل منهما ما له من حقوق وما علية من واجبات؛ إذا كانت تلك الوسيلة هى الدستور فلما لم يكن هو الخيار الاول بعد ثورة جائت لتطيح بنظام فاسد ودستور فصلت موادة ليثتأثر نظامه الحاكم بالسلطة.
فى دوائر السياسة القذرة دائما نجد الغلبة للسلطة على حساب الشعب ؛ تبدأ المؤامرة السياسية من هنا بقيام المجلس العسكرى عند حكمة للبلاد فى الفترة الانتقالية بإجراء استفتاء شعبى على اعلان دستورى من صنعه الخاص بالموافقة عليه بنعم أولا ليتم كتابة دستور جديد .
قامت جماعة الاخوان المسلمين بالتروييج للاعلان الدستورى للمجلس العسكرى تحت شعار الحفاظ على المادة الثانية من الدستور؛ التى تنص على ان "الاسلام دين الدولة واللغة العربية هى اللغة الرسمية ومبادىء الشريعة الاسلامية هى مصدر رئيسى للتشريع " على الرغم من أن هذة المادة لن تتغير مع كتابة دستور جديد بحكم اغلبية المسلمين فى الدولة التى تفرض بقاء تلك المادة فى اى دستور جديد .
من هنا يظهر لنا جلياً التفاف الاخوان نحو العسكر؛ فالاخوان المسلمون هى الجماعة الاكثر تنظيما والاكثر حرصا على الوصول الى السلطة بحكم القاعدة الشعبية العريضة والقدرة على حشد الانصار التى تتمتع بها الجماعة ؛ وفى الوقت ذاته يمر المجلس العسكرى وهو السلطة الحاكمة لمصر فى تلك المرحلة المشؤومة بأزمات سياسية طاحنة تؤدى الى غضب شعبى فى مختلف ميادين مصر؛وعلى وجه الخصوص مركز التيار الثورى وهو ميدان التحرير يندد بحكم العسكر ويطالب بوضع جدول زمنى محدد لرحيل المجلس العسكرى وتسليم السلطة الى رئيس مدنى منتخب .
وفى ظل الكثير من الجرائم السياسية للعسكر فكر المجلس العسكرى فى مخرج أمن من تلك المسؤولية السياسية حتى لا يلقى نفس مصير الأب الروحى ؛ بعد ان كان على يقين من أن جيشه لن يوجه سلاحه مجتمعا نحو شعبه وكان أعضاؤه دائما ما كانو يعايروننا أن جيشنا لم يفعل بنا كما فعل كلاب بشار بالشعب السورى وبعض الجهلاء سياسيا كانو يصدقوهم القول .
بعيدا عن نظرية المؤامرة وأحساناً الظن فى نزاهة الانتخابات الرئاسية ؛ يأتى الحظ ويخدم العسكر فى الإختيار بين مرشحين للرئاسة احدهما من فلول النظام السابق والاخر مرشح الجماعة المحظورة سابقاً ؛ وبموجب اتفاق العسكر والاخوان يأمن الرئيس مرسى خروج العسكر من الحياة السياسية بإحالتهم للتقاعد ليس ذلك فقط بل يكرمهم بالأوسمة ويعينهم مستشارين .
الأن الرئيس المنتخب لديه كل الصلاحيات فى ظل مجلس شعب منحل وحكومة فاشلة لا تستطيع إدارة ازمات الدولة ؛ وتأسيسية الدستور لم تخرج بعد بالدستور الجديد بعد شهور من الخلاف حول المواد الخاصة بالدين فى حين ان موقف الدستور من الدين واضح منذ كتابة اول دستور مصرى .
منذ تولى الرئيس مرسى وهو يأتى علينا بالعديد من القرارات التى تحمل فى اغلبها جدلاً دستوريا وقانونيا ؛ أولها الغاء قرار المجلس العسكرى بحل مجلس الشعب وأخرها اقالة النائب العام ؛ فكيف يقيل الرئيس النائب العام فى وقت لا توجد فيه جهة قانونية ودستورية واحدة تحاسب الرئيس سياسياً .
التجربة الديمقراطية لم تكتمل بعد كان لابد من مجلس قيادة ثورة متوافق عليه يدير البلاد لمدة عامين حتى يعى الشعب كيف يحدد مصيره السياسى بتكوين الأليات التشريعية التى تتمثل فى الدستور ومجلس الشعب؛ أين هو إذاً مبدأ الفصل بين السلطات والرئيس مازال يحكم قبضته على السلطه التشريعية .
إن المماطلة فى تلك الفترة من الفراغ الدستورى ستجلب الكثير من الازمات وموجات الاحتجاج من شعب يريد أن يبرم ميثاقه مع السلطة بدستور جديد يضمن حقوقه وواجباته ويحقق الكرامة والحرية للمواطن فى مصر بعد ثورة لم تصل بعد لأهدافها نتيجة جهل البعض سياسيا وديماغوجية فصيل سياسى يسعى لخلق نظام سياسى غير سوى سيعود بمصر الى الوراء لا الى تلك النهضة التى رسموها على خيال لم نرى منه حتى الأن واقعا ملموساً.
اسأل نفسك الأن ماهى سلطة الرئيس وما هى صلاحياته وما هو الدستورى وما هو الغير دستورى .... لذلك كان لابد من الدستور اولاً.